المقال مهدى للدكتور وليد وصفى
هو سؤال الساعة ، يتردد كثيرا ، مع كل نفس ، بنبرات مختلفة ، متشككة ، تميل لليأس ، أو بنبرات هامسة تحوى شكّا يصارع يقينا ، أو بنبرات شامتة من أعداء فكرتك مصحوبة بابتسامة بغيضة (نعم بعض الابتسامات بغيض !).
يدور و يدور حولك ، متلصصا و مطاردا.
تريد دحر الانقلاب ، و تريد إعلاء كلمة الله و تسأل متى نصر الله و تستبطىء النصر ؟
و متى خطر لك السؤال ، تلوم نفسك ! ، أتشكّ فى وعد الله ؟؟
سورة البقرة الآية 214
أخى الفاضل / أختى الفاضلة لا تلم نفسك ، كما ترى فى هذه الآية السؤال منسوبا للرسول و الذين آمنوا معه لعظم المحنة و الابتلاء.
استعجال النصر طبيعة بشرية ، و يكاد يكون فطرة ، شاهد تلهفك على تحصيل نفع ما ، و ارتياحك لزوال ضرر متوقع.
سورة الإسراء الآية 16
سورة الأنبياء الآية 37
و لهذا كان الصبر له من الثواب و الفضيلة الكثير
قال ابن قيم الجوزية في كتاب عدة الصابرين :
الصبر نصف الايمان ، والايمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر قال غير واحد من السلف الصبر نصف الايمان وقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه: "الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر".
و لكن دعنى أسألك سؤالا بسيطا عن أى نصر تتحدث ؟
عن نصرك الشخصى ؟ أم عن نصر جيلك ؟ أم عن نصر دينك ؟
يبدو الأمر فلسفيا ، بعيدا عن التطبيق ؟
خبرنى بالله عليك ما نوع النصر الذى رأته سمية بنت الخياط ؟
و هى أول شهيدة فى الإسلام ، و أم عمار بن ياسر رضى الله عنه ، و قتلت بحربة أبى جهل قبل الهجرة ، فما هاجرت و لا رأت دولة الإسلام فى المدينة ، و مع ذلك هى من الفائزين فقد وعدها الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة فقال : صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
هى انتصرت لا مراء بوعد الرسول صلى الله عليه و سلم لها بالجنة.
و لكن أى نصر رأت بمفهوم النصر الأرضى الذى يلقى بيأسه فى قلوب الثابتين ؟
قارن معى رؤية سيدنا بلال بن رباح للنصر بين موقفين
موقفه و هم يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى فيجيبهم: "أحد ...أحد".
وإذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد ...أحد".
قارن بين مفهومه عن النصر هنا و مفهومه عن النصر قبل وفاته عام 20 للهجرة بدمشق بعدما أذن ببيت المقدس بعد فتحه بعهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
هل كان نصره فى الموقفين واحد ؟
بل و قارن موقف سيدنا أبو بكر فى الغار خائفا على الرسول صلى الله عليه و سلم من الحيات ، حين كان أقصى انتصاره أن يسد جحر الثعابين بقدمه لئلا تؤذى الرسول.
سورة التوبة الآية 40
و قارن موقفه حين كان نصره حروب الردة التى عصفت بالدولة الإسلامية الوليدة ، و بدء عصر الفتوح الإسلامية التى غيرت وجه التاريخ.
نصر الدين واقع لا محالة ، بنا أو بغيرنا
و ان شئت فاتل:
سورة الصف الآية 8 ، 9
أو فرتل :
سورة التوبة الآية 32 ، 33.
نصرك الشخصى هو عند دخولك الجنة ، ثباتك على طريق الحق من أهم الوسائل ، و لعمرى هل كان لسمية نصر غير هذا ؟ و بشرها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم بالجنة.
و لكن هل ينكر أحد أن دماء سمية كانت لبنة من لبنات بناء الإسلام ؟ لو كانت كذلك لما قدر الله حدوثها ، و هل من قدر الله صدفة ؟؟
هل يظن ظانّ أن الإسلام كان ليقوم دون تمحيص للصف و ثبات للعقيدة فى القلوب ؟
لا و الله ، و إن شئت فاقرأ :
أوائل سورة العنكبوت الفتنة قرينة الإيمان و كأنها شرطه !
أو اقرأفى ضرورة التمحيص :
سورة آل عمران الآية 179
أو فأعد قراءة الآية فى أول المقال فنصر الله القريب ، قرين بشدة المحنة و مس البأساء و الضراء و إن شئت فاقرأ
فى سورة يوسف الآية 110
لاحظ استعمال اللفظ استيأس و تدل على عظم و إحكام اليأس ، يليه مباشرة ... النصر.
نصر جيلك لا يعنى أن ترى نصر دينك بعينى رأسك.
لن أقول لك راجع ما فات من أمثلة ، فالأمر من المفروض أن يكون قد انجلى.
نصر شخصك فى تعلقك و تمسكك بالحق قدر ما ترى و أن تستعين بأسباب الثبات من علم نافع و عمل صالح ، و صحبة صالحة و دعوة لله عز و جل تعينك و تثبتك.
راجع فضلا تفسير سورة العصر و قد قال عنها بن كثير لو وعاها الناس لكفتهم.
رابط للتفسير
و يلى ذلك نصر جيلك :
نصر جيلك لا يساوى بالضرورة نصر دينك ، قارن معى مثلا من تاريخنا الحديث من قتلوا من مسلمى البوسنة فى الحرب ضد الصرب حوالى مائتى ألف طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
قتل مائتى ألف مسلم فى بلد خارجة من نير الشيوعية ، ليولد شعب جديد أكثر تمسكا بدينه و أكثر معرفة به ، يولد جيل جديد من رحم المعاناة ، كان نصر الجيل الذى قتل منه مائتى ألف هو الثبات و إعادة التعرف على الدين ، و نصر من تلاه من أجيال بناء دولة أقوى و أجيال أقوى.
و نفس الأمر حدث فى الشيشان و تكرر فى غيرها عبر التاريخ.
أما نصر الدين فهو نتيجة حتمية لنصر أجيال متتالية و هو حتمى لوعد الله عز و جل به.
و فى النهاية
كل ما سبق عدا كلام الله عز و جل و كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ، هو كلام بشر يصيب و يخطىء ، ما كان فيه من صواب منّة من الله عز و جل ، و ما كان فيه من تقصير فمن ذنوبى و تقصيرى.
اللهم إنى أسألك المغفرة و الثبات على الحق و شهادة فى سبيلك.