Powered By Blogger

السبت، 16 نوفمبر 2013

متى ... نصر الله ؟؟؟ ... تساؤلات و خواطر

المقال مهدى للدكتور وليد وصفى

    هو سؤال الساعة ، يتردد كثيرا ، مع كل نفس ، بنبرات مختلفة ، متشككة ، تميل لليأس ، أو بنبرات هامسة تحوى شكّا يصارع يقينا ، أو بنبرات شامتة من أعداء فكرتك مصحوبة بابتسامة بغيضة (نعم بعض الابتسامات بغيض !).
يدور و يدور حولك ، متلصصا و مطاردا.
تريد دحر الانقلاب ، و تريد إعلاء كلمة الله و تسأل متى نصر الله و تستبطىء النصر ؟
و متى خطر لك السؤال ، تلوم نفسك ! ، أتشكّ فى وعد الله ؟؟

سورة البقرة الآية 214

أخى الفاضل / أختى الفاضلة لا تلم نفسك ، كما ترى فى هذه الآية السؤال منسوبا للرسول و الذين آمنوا معه لعظم المحنة و الابتلاء.

استعجال النصر طبيعة بشرية ، و يكاد يكون فطرة ، شاهد تلهفك على تحصيل نفع ما ، و ارتياحك لزوال ضرر متوقع.

سورة الإسراء الآية 16

 سورة الأنبياء الآية 37

و لهذا كان الصبر له من الثواب و الفضيلة الكثير
قال ابن قيم الجوزية في كتاب عدة الصابرين :

 الصبر نصف الايمان ، والايمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر قال غير واحد من السلف الصبر نصف الايمان وقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه: "الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر".

و لكن دعنى أسألك سؤالا بسيطا عن أى نصر تتحدث ؟
عن نصرك الشخصى ؟ أم عن نصر جيلك ؟ أم عن نصر دينك ؟
يبدو الأمر فلسفيا ، بعيدا عن التطبيق ؟

خبرنى بالله عليك ما نوع النصر الذى رأته سمية بنت الخياط ؟
و هى أول شهيدة فى الإسلام ، و أم عمار بن ياسر رضى الله عنه ، و قتلت بحربة أبى جهل قبل الهجرة ، فما هاجرت و لا رأت دولة الإسلام فى المدينة ، و مع ذلك هى من الفائزين فقد وعدها الرسول صلى الله عليه و سلم بالجنة فقال : صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
هى انتصرت لا مراء بوعد الرسول صلى الله عليه و سلم لها بالجنة.
و لكن أى نصر رأت بمفهوم النصر الأرضى الذى يلقى بيأسه فى قلوب الثابتين ؟

قارن معى رؤية سيدنا بلال بن رباح للنصر بين موقفين
موقفه و هم يخرجون به في الظهيرة في صحراء مكة، فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو من غير لباس، ثم يأتون بحجر متسعر ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه، ويصيح به جلادوه: أذكر اللات والعزى فيجيبهم: "أحد ...أحد".
 وإذا حان الأصيل أقاموه، وجعلوا في عنقه حبلا، ثم أمروا صبيانهـم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها، وبلال لا يقول سوى: "أحد ...أحد".
قارن بين مفهومه عن النصر هنا و مفهومه عن النصر قبل وفاته عام 20 للهجرة بدمشق بعدما أذن ببيت المقدس بعد فتحه بعهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
هل كان نصره فى الموقفين واحد ؟

بل و قارن موقف سيدنا أبو بكر فى الغار خائفا على الرسول صلى الله عليه و سلم من الحيات ، حين كان أقصى انتصاره أن يسد جحر الثعابين بقدمه لئلا تؤذى الرسول.
سورة التوبة الآية 40

و قارن موقفه حين كان نصره حروب الردة التى عصفت بالدولة الإسلامية الوليدة ، و بدء عصر الفتوح الإسلامية التى غيرت وجه التاريخ.

نصر الدين واقع لا محالة ، بنا أو بغيرنا 
و ان شئت فاتل:
سورة الصف الآية 8 ، 9
أو فرتل :
سورة التوبة الآية 32 ، 33.

نصرك الشخصى هو عند دخولك الجنة ، ثباتك على طريق الحق من أهم الوسائل ، و لعمرى هل كان لسمية نصر غير هذا ؟ و بشرها الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم بالجنة.

و لكن هل ينكر أحد أن دماء سمية كانت لبنة من لبنات بناء الإسلام ؟ لو كانت كذلك لما قدر الله حدوثها ، و هل من قدر الله صدفة ؟؟
هل يظن ظانّ أن الإسلام كان ليقوم دون تمحيص للصف و ثبات للعقيدة فى القلوب ؟
لا و الله ، و إن شئت فاقرأ :
أوائل سورة العنكبوت الفتنة قرينة الإيمان و كأنها شرطه !

أو اقرأفى ضرورة التمحيص :
سورة آل عمران الآية 179
أو فأعد قراءة الآية فى أول المقال فنصر الله القريب ، قرين بشدة المحنة و مس البأساء و الضراء و إن شئت فاقرأ 
فى سورة يوسف الآية 110
لاحظ استعمال اللفظ استيأس و تدل على عظم و إحكام اليأس ، يليه مباشرة ... النصر.
نصر جيلك لا يعنى أن ترى نصر دينك بعينى رأسك.
لن أقول لك راجع ما فات من أمثلة ، فالأمر من المفروض أن يكون قد انجلى.
نصر شخصك فى تعلقك و تمسكك بالحق قدر ما ترى و أن تستعين بأسباب الثبات من علم نافع و عمل صالح ، و صحبة صالحة و دعوة لله عز و جل تعينك و تثبتك.

 راجع فضلا تفسير سورة العصر و قد قال عنها بن كثير لو وعاها الناس لكفتهم.
رابط للتفسير

و يلى ذلك نصر جيلك :
 نصر جيلك لا يساوى بالضرورة نصر دينك ، قارن معى مثلا من تاريخنا الحديث من قتلوا من مسلمى البوسنة فى الحرب ضد الصرب حوالى مائتى ألف طبقا لإحصاءات الأمم المتحدة.
قتل مائتى ألف مسلم فى بلد خارجة من نير الشيوعية ، ليولد شعب جديد أكثر تمسكا بدينه و أكثر معرفة به ، يولد جيل جديد من رحم المعاناة ، كان نصر الجيل الذى قتل منه مائتى ألف هو الثبات و إعادة التعرف على الدين ، و نصر من تلاه من أجيال بناء دولة أقوى و أجيال أقوى.
و نفس الأمر حدث فى الشيشان و تكرر فى غيرها عبر التاريخ.
أما نصر الدين فهو نتيجة حتمية لنصر أجيال متتالية و هو حتمى لوعد الله عز و جل به.
و فى النهاية
 
تنسب لابن القيم رحمه الله.
كل ما سبق عدا كلام الله عز و جل و كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ، هو كلام بشر يصيب و يخطىء ، ما كان فيه من صواب منّة من الله عز و جل ، و ما كان فيه من تقصير فمن ذنوبى و تقصيرى.
اللهم إنى أسألك المغفرة و الثبات على الحق و شهادة فى سبيلك.

الأحد، 13 أكتوبر 2013

رمسيس 6 أكتوبر 2013 تحليلات و هلاوس

 حول مظاهرات 6 أكتوبر ، مظاهرة عزبة النخل - رمسيس كنموذج
مكتوب بتاريخ الخميس 9 أكتوبر 2013.

طوال المسيرة الطويلة كنت أسأل نفسى سؤالا :
لماذا سنذهب للتحرير مشيا ؟؟ أعلينا نذر ما ؟ نذر جماعى !!
قرار غير مفهوم بالنسبة لى حتى الآن.
المسيرة تعرضت للاعتداء عدة مرات طوال الطريق ، و هذا أمر معتاد نظرا لطول المسافة المقطوعة و حجم المسيرة الهائل الذى يجعل تأمينها صعبا للغاية.
إذا لم المشى ؟؟
الله أعلم.

فى كل اعتداء يكون السؤال : أين فريق التأمين و الفريق الطبى بالمسيرة ؟
الإجابة صفر.
فى رابعة كانت كل مسيرة تخرج منها معها فريق طبى متنقل و فريق تأمين.
العبرة فى فريق التأمين ليس سلاحا أو غيره فلم يتواجد مثل هذا قط ، العبرة أنه فى وقت الاعتداء يعرف كل شخص ماذا يفعل ، و يعرف من يعاون و من يساعد ، بدلا من العشوائية التى تعطل المسيرة أكثر من الاعتداء نفسه.
و ينشغل ثوار المسيرة بمسيرتهم فقط ، بدلا من التشتت. 
و العبرة فى الفريق الطبى اطمئنان الناس ، و عدم احتياجهم للجوء للوصفات الشعبية و فتاوى المتطوعين.

فى رمسيس كان السؤال تحت الرصاص هو :
هل أقدم أم أحجم ؟؟
السؤال الأهم :
 لو مت فى رمسيس ، ماذا سأقول لربى ؟ قتلت من أجل دخول ميدان رمسيس !
أنا أدرك أن الجزاء بالنية معلق ، و أن النية أهم من العمل فى كثير من الأحيان ، و لكن السؤال : ما هو العائد من موتى فى ميدان رمسيس أو على أعتابه ؟؟
ماذا استفادت القضية ، أى ظلم دفعته ؟ أى حق نصرته فى دخول ميدان رمسيس ؟

كونى حضرت جمعة الغضب و انسحاب الشرطة فى جمعة الغضب 28 يناير 2011 ، و مجزرة 6 أكتوبر 2013 فى نفس الميدان ، يسمح لى بعقد مقارنة بينهم.
العدد كان أكبر بكثير فى 6 أكتوبر ، نوعية الثوار أفضل من حيث الشجاعة و التحمل و الإصرار من جمعة الغضب.


أقولها بثقة ، لو أن ما جرى فى مجزرة رمسيس 6 أكتوبر حدث عشره فقط فى جمعة الغضب لتغير الحال بشدة فى يناير 2011.
إذن الثوار أكثر و أفضل ، لم تغير الناتج ؟؟ لم انتصرت الشرطة و الجيش و البلطجية على الثوار ؟؟
القاعدة الإدارية المخيفة لكل المديرين تقول " لا يوجد موظف فاشل ، يوجد فقط مدير فاشل لا يستطيع توظيفه".
أزعم أن المشكلة كانت فى توجيه الثوار ، و ليس فيهم.
فى يناير نجح الثوار فى عزل القوات إلى جزر مستقلة محاصرة من كل اتجاه بطوفان من الثوار السلميين ، بينما فى أكتوبر حصرت القوات الثوار فى شارع واحد محاصرة إياهم تحت كبارى متعددة ، مع استخدام الفندق الضخم فى واجهة ميدان رمسيس كمكان للقناصة.

فلنحلل الأمر بنظرية ماذا لو :
إعادة ترتيب للأحداث بافتراض متغيرات و سيناريوهات أخرى.
ماذا لو توزع الثوار من المسيرة فى المترو كالتالى :
ربع العدد يتوجه من غمرة إلى ميدان رمسيس لمشاغلة قوات الجيش و الشرطة هناك بمناوشات متكررة من كل محاور الميدان و ليس فقط من ناحية واحدة لأن هذا الأمر يريحهم جدا.
فى نفس الوقت الربع الثانى ينزل إلى أحمد عرابى و يحاصر القوات من الناحية الأخرى لميدان رمسيس لمنعها من التوجه للتحرير و دعم القوات هناك ، و شغلها و تقليل الضغط على متظاهرى رمسيس.
بينما يتوجه نصف العدد للتحرير لمناوشة القوات هناك حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
اقتحام التحرير ليس مستحيلا ، و أى هدف له مريدون ليس مستحيلا و لكن :
ماذا بعد دخول التحرير ؟؟
هل بدخولنا التحرير سقط الانقلاب ؟
أنا أدرك القيمة الرمزية للميدان ، و ادرك أهمية كسر حظرهم لنا من دخول الميدان ، كرمز لقوتهم و إسقاطها ، و لكن أنا دوما أحب أن أرى عدة خطوات و بدائل قادمة ، لو دخلنا الميدان ماذا بعد ؟
اعتصام ؟؟ لا أراها أفضل الأفكار.
إذن .... ؟؟؟

يستكمل فى مقال قادم يعرض حلولا...

 

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

رمسيس 6/10/2013 ج 3

مشهد 7 :
   الرصاص الحى و الغاز و الخرطوش تنهال علينا من كل مكان ، و لا تدرى مصدرها !
القوات متمركزة أمامك على بعد كبير ، و الطلقات ترى أثرها فى سقوط من حولك و تحس بألم الخرطوش يخترق جلدك و لا تدرى من يطلقه !
السؤال وقتها كان : كيف تتقى ما لا تراه ؟ كيف تفر من مصدر رصاص لا ترى مطلقه فلا تدرى أين تفر !
و لم يسقط من بجانبك برصاصة حية فى كتفه (تعرف كونها حية من شكل الجرح و كمية الدماء و الألم ) ، و يصاب من أمامك بخرطوشة فى وجهه تكسر له سنا فى مقدمة أسنانه و تؤلمه ، و تصاب بخرطوشة فى ساقك ، بينما من يصاب بحجر يشج رأسه يكون خلفك !!
منطقيا الأمر ليس له منطق !
حسابيا و عمليا "محدش فاهم حاجة" !
هو القدر ، فقط دون حساب و لا منطق.
 قدر الله غالب و لا ينجى حذر من قدر.

مشهد 8 :
   على مطلع كوبرى أكتوبر تحت محطة مترو غمرة ، حيث محطة مترو رمسيس مقفلة ، و المواطنين الشرفاء بأسلحتهم يقفلون ميدان غمرة تماما و ينكلون بمن تصل إليه أيديهم.
و لما تحرك الثوار أعلى الكوبرى هربا من الشرفاء !!
وقف الشرفاء على بعض المبانى يتسلون بإطلاق الخرطوش على الصاعدين على الكوبرى.
أنت لا ترى من يطلق بسبب الظلام ، و الخرطوش عموما التوقّى منه ليس سهلا ، لعدم انتظام مساره و تناثره المميز.
الحل الذى رآه الثوار أخذا بالأسباب هو الانحناء و الجرى بسرعة احتماءا بسور الكوبرى.
إلا رجلا كان يمشى الهوينى ، و لم ينحن ، ربما تكبرا ، ربما لإصابة فى جسده ، الله أعلم.
هذا الرجل قطع الكوبرى بأبطأ ما يمكن منتصبا ، و مر سليما لم يصب بخدش وسط سيول الخرطوش المطلقة و التى أصابت تقريبا كل من حوله من المنحنيين المسرعين !


و صدق الأمام على كرم الله وجهه :
أى يومين من الموت أفر                يوم لا قدر أو يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه و من              المقدور لا ينجو الحذر 




رمسيس 6-10-2013 ج 2

مشهد 4 :
  داخل محطة المترو:
 العدد هائل ، و الزحام كثيف ، أغلب المتواجدين من الثوار كما يظهر من حالهم.
المترو قادم ، يتزاحم الموجودون على الأبواب بشدة ، ينادى شاب فى الخلفية : النساء أولا يا أخوانّا.
النداء عادى ، و لكن نزول العديد من الشباب من المترو بعد ركوبهم لإفساح المجال لركوب النساء كان غير العادى.
لحظة : هل تعلم أن انتظارك و تأخرك فى الركوب يزيد من فرص اعتقالك أو إصابتك على يد المواطنين الشرفاء ، فالأمر ليس تأخرا عن ميعاد ، بل هو مخاطرة حقيقية باعتقال أو سقوطك أسيرا لدى المواطنين الشرفاء !
انتهى .

 الصورة أرشيفية من مجزرة رمسيس 16/8/2013 ، و تظهر الإرهابيين يبتكرون وسيلة لنقل الأخوات للمستشفى الميدانى دون لمسهن ! طبعا لأنهم إرهابيين ينظرون للمرأة نظرة دونية شهوانية ، لا يخطرنّ ببالك أنه عفة أو احترام للمرأة و صون لها !

مشهد 5 :
   وسط سحابات الغاز ، و تساقط الضحايا دون سبب واضح بطلقات الرصاص و الخرطوش ، و تدافع الناس هرولة و جريا فى كل اتجاه ، تسقط أحد الفتيات متعثرة ، تتوقف حلقة من الرجال حولها حتى تقوم و تواصل الهرولة ، تتوقف تحت وابل الغاز و الخرطوش و الرصاص.
تكرر نفس الأمر مع مصابين سقطوا ، و تكرر بصورة أوضح مع صفوف صلاة المغرب ، حتى مع سقوط القنابل وسط صفوف المصلين.
انتهى. 

مشهد 6 :
  الثوار عائدون منسحبون ، منكسو الرؤوس و الرايات ، مغبرين من آثار ما لاقوا على مدار ساعات.
مشهد أظنه من المشاهد القاهرة ، و كأنها 1967 تعاد أمامك :(
يندفع بعض الشباب الغاضب تجاه اللوحات الإعلانية فى الطريق و يحطمها بغلّ شديد ، يحاول بعضهم منعهم و لا يستطيع ، حجتهم المعلنة أن الإعلام هو سبب النكبة ، بينما نهمهم للتحطيم هو ببساطة تنفيس عن القهر الذى عانوه على مدار اليوم ، و قد تركوا دمائهم على الأسفلت ، و تركوا جرحى و شهداء ورائهم ، و تركوا جزءا من كرامتهم و حبهم لما كانوا يظنونه وطنهم.
لم أشاركهم و لم أمنعهم ، أحب الاحتفاظ بغضبى مشتعلا لأوجهه و يوجهنى فى عمل بنّاء ، و ينقلنى لآفاق جديدة داخل نفسى.
السؤال : استمرار القهر سيولد ... ؟؟؟
انتهى.

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

رمسيس 6/10/2013

مجموعة مشاهد غير مرتبة من مظاهرات 6 أكتوبر 2013 و التى انتهت بالنسبة لى فى رمسيس أمام دبابات الجيش.

مشهد 1:
 الثوار عائدون بعد ساعات من الغاز و الخرطوش و إصابات الرصاص الحى ، أغلب الثوار مغطون بالغبار و آثار الخميرة على وجوههم و شعرهم ، يسحبون أقدامهم و أغلبهم به ضمادات ، و أكمل الصورة كمين عفوى من المواطنين الشرفاء عند محطة المترو الوحيدة المتاحة للرجوع (محطة غمرة) ، و أصاب أغلب المنسحبين بخرطوش.
الثوار وصلوا أخيرا للمترو ، و أخذوا يهتفون ضد حكم العسكر بقهر شديد.
المواطنون فى المترو يسبون الثوار لهتافهم ضد العسكر ! و يدعون عليهم بأن يقضى عليهم العسكر.
انتهى.

مشهد 2 :
  فى المترو أيضا ، العدد هائل ، على سلم النزول ، شاب ملتحى يخاطب شخصا ضخم الجثة يصعد السلم مخالفا فى الاتجاه المعاكس :
- يافندم لو ممكن بس تيجى كده شوية ، عشان ورايا نساء.
الرجل المخالف محتدا :
- أنت بتكلمنى كده ليه ؟ بالراحة يا عم.
الشاب الملتحى يقترب منه و يقبل رأسه :
آسف لو ضايقتك ، بس ورايا نساء وسع لهم.
الرجل المخالف محتدا بصوت مرتفع :
هو فى أيه ....
تدخل شخص آخر من الثوار (غبار و حزن و آثار خميرة ) و لكنه بادى الشراسة :
- فى أيه يا عم أنت ، الراجل بيقولك حضرتك و يافندم و أنت بتزعقله ؟ بيقولك وسع عشان النساء ، فى أيه ؟
الرجل المخالف بصوت أهدأ و لكن محتدا:

- و أنت  مالك أصلا هو .....
الثائر الشرس مقاطعا بنبرة حادة :
هو عشان بيكلمك باحترام هتعمل فتوة عليه ؟
هو بيقولك حضرتك و نساء ، و أنت بتزعق له ، بقولك أيه ...
الرجل المخالف مقاطعا بنبرة خنوع و بصوت "سيسى" :
هو أنا قلت حاجة ؟ النساء دول أمى و أختى ، اتفضل يا بيه !!!
انتهى

مشهد 3:

انتهى.

الخميس، 19 سبتمبر 2013

لقطات وسط الدخان : لحظة الحقيقة

المشهد حقيقى من أحدى المسيرات السلمية ضد الانقلاب الدموى الذى حدث بمصر فى 30 يونيو 2013.
أنهت المسيرة طريقها و مسارها و فى طريق عودتها ، فى أحد الشوارع الضيقة نسبيا و المليئة بالشوارع الجانبية الأكثر ضيقا ، بدأ إطلاق الرصاص فى وسط المسيرة.
فيما عرفنا بعدها أنه كمين عفوى من المواطنين الشرفاء الذين ساءهم سلمية المسيرة ، فجاءوا بأسلحتهم النارية و البيضاء - بكل عفوية و دون تخطيط و بكل سلمية ممكنة - للاعتراض علينا.
هذا و للتاريخ فقط : سيذكر التاريخ أن الداخلية كوزارة كانت تتألف فى عصرنا من قطاعين كبيرين :
القطاع النظامى و يشمل كل من يرتدى بدلة ميرى.
و القطاع الشعبى باسم "المواطنين الشرفاء" و هم فى العادة أخف تسليحا ، و أكثر حماسا من النظاميين.
و بينما تتنوع رتب القطاع النظامى للداخلية على النحو المعروف للكافة ، فإن الرتب و التنظيم الداخلى للقطاع الشعبى يظل قيد الكتمان بالنسبة لى ، و إن كان المعروف أن رئيسهم الأكبر الذى يساوى فى منصبه وزير الداخلية يسمى نخنوخ ، كما يتضح من هذا الفيديو الكاشف 
رابط للفيديو

المهم أن المواطنين الشرفاء بدءوا هجومهم السلمى لاعتراض مسيرتنا بالتدفق من شارع جانبى مطلقين الرصاص الحى و الخرطوش.وقتها بدأ مشهد لا يوصف ، تباين شديد فى المواقف من كل أفراد المسيرة.
ترى شبابا حديثى السن ، لهم سمت غير إسلامى يثبتون و يتقدمون لمصدر النار ، مع أن تقييمك المبدئى لهم طوال المسيرة كان (الناس دى أيه اللى جابها هنا ؟؟!) ، و هنا يثور السؤال : من أنت لتقوم بالتقييم !


و ترى رجالا من أكبر الموجودين سنا يخالط شيب لحاهم بقايا سواد ، و يتحركون بعكاز مثلا ، لا يفرون ، لا عن عجز ، و لا عن وهن ، بل لتثبيت غيرهم ، فيثبتون و يذكّرون بالله ، و يصرخون بالأذكار.
و من النساء ترى عجبا : ترى صمودا فى العيون ، و لا يخفى عليك لمعات دموع ، شهقات خوف ، فرار و فزع شديد عند البعض (رجالا و نساءا).
ملحوظة جانبية :
 إطلاق الرصاص الحى من مسافة قريبة و صوته المميز يسبب ذعرا فى حد ذاته خصوصا لمن لم يعتده ، أذكر أنه فى أول مرة فى ميدان الرماية بالذخيرة الحية فى الجيش ، شاهدت عدة حالات نوبات هلع نموذجية فى مواجهة تجربة إطلاق الرصاص Panic Attack like Symptoms ، و لتوضيح الصورة يشبه ما حدث لحسين فهمى فى فيلم العار لما رفض نزول البحر ليلا و أصيب بنوبة عصبية.
و بين الهلع و الخوف و الإقدام ، يتبين لك قيمتك الحقيقية ، أول فكرة تخطر بذهنك تحت الرصاص فى تلك الثوانى الفارقة ، هى قيمتك فى الحياة ، تخيل لو كانت هذه الفكرة 
يااه ، يعنى هموت و مش هشوف فلانة تانى ؟
أو تكون : هموت قبل ما أتجوز ؟!
أو تكون كوميدية لدرجة : معقولة أموت و أنا لسه جايب موبايل جديد من يومين مالحقتش أتهنى بيه !!
أو سيخطر ببالك أن الحور العين على بعد عدة أمتار منك ؟
أو سيخطر ببالك بيت خبيب بن عدى 
ولست أبالي حين أقتل مسلماً  ----  على أي جنب كان في الله مصرعي
لحظة من أكشف ما يكون ، ترى فيها حقيقتك عارية ، دون زيف أو تصنع ، حقيقتك بلا رتوش و لا تجمل 

 تذكرت بعدها (بعدما عدت للبيت) قصة بيت الشعر عن حمام منجاب 
و القصة تقول :
كان هناك رجلا واقفاً بإزاء داره.. وكان بابها يشبه باب هذا الحمام..
فمرت به جارية لها منظر.. فقالت : أين الطريق إلى حمام منجاب ؟
فأشار إلى باب بيته وقال : هذا حمام منجاب..
فدخلت الدار ودخل وراءها فلما رأت نفسها في داره.. وعلمت أنه قد خدعها.. أظهرت له البشر والفرح باجتماعها معه.. وقالت : خدعة منها له وتحيلاً لتتخلص مما أوقعها فيه.. وخوفاً من فعل الفاحشة.. "يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقرّ به عيوننا.."(تقصد أن يشتري طعاما وفاكهة)
فقال لها : الساعة آتيك بكل ما تريدين..
وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها.. فأخذ ما يصلح ورجع.. فوجدها قد خرجت.. فهام الرجل.. وأكثر الذكر لها.. وجعل يمشي في الطرق ويقول :
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت * أين الطريق إلي حمام منجاب
فبينما يقول ذلك وإذا بجارية أجابته قائلة :
هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها *حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب
فازداد هيجانه ولم يزل يردد هذا البيت حتى ساعة إحتضاره قالوا له قل لا إله إلا الله ‘ فقال
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت * أين الطريق إلي حمام منجاب


مهما زعمت كونك شجاعا او جسورا أو ذو قلب ميت بالتعبير العامى ، كل الكلام النظرى لا جدوى له ، الفيصل فيما يظهر تحت الرصاص.
يذكرنى هذا بفلسفة التدريب فى الفنون القتالية التى تؤكد أن التدريب و إن طال لا معنى له ما لم تخض قتالا حقيقيا ، و أن القتال هو التدريب الحقيقى.
يقال أن هذه التجربة يسمونها فى العلوم العسكرية تطعيم المعركة ، و بعدها تزول الرهبة من صوت الرصاص ، و ارتباطه بالموت ، و يقل الخوف ، و لهذا تكون تجربتك الأولى مع الرصاص وجها لوجه هى لحظة ميلاد لك.
تحدد من أنت ، و تحدد ما هى قيمتك ، و ما هى أفكارك الأساسية التى تحكم حياتك Core Ideas.
تجربة ثرية ، لحظة ميلاد ، لا تستغرق إلا ثوانى ، و تصير بعدها شخصا آخرا ، أقوى أو أضعف أو الاثنين معا ، و لكن بالتأكيد أقرب لنفسك ، أكثر وعيا بحقيقتك دون زيف أو تصنع ، قد تعود للتصنع بعدها و إدعاء القوة و الجلد ، و لكنك بعدما رأيت و عاينت حقيقتك.
استمرت المعركة لدقائق قليلة انسحب بعدها المواطنون الشرفاء تحت وابل الحجارة و فروا فرار الضباع الضالة.
و لكن من المشاركين من انهار فى نوبة بكاء هستيرية (و لربما كان رجلا شابا بادى البأس ) ، و من فقدت وعيها و انشغل من حولها بإفاقتها ، و هناك من ارتعب لدرجة تصميمه على ترك المسيرة ، و إصراره على المضى فى طريق مخالف وحده 
(وقبض عليه لاحقا فى كمين للشرطة حيث يبدو أن هدف كمين المواطنين الشرفاء توجيه المسيرة لشارع آخر به كمائن متعددة للجيش و الشرطة).
و من الناس من أبدى ثباتا عجيبا ، فور سماع الرصاص ، انطلق يجرى بهمة ، و تلمع عينيه بلمعة فرح ، كأنما سمع صوت نتيجة الثانوية و كونه أولها ، فرح عجيب و سباق على الوصول لمكان الرصاص ، و هم ليسوا قلة ، ترى قطاع من المسيرة ، مكون من طوائف شتى ، شباب و شيوخ و متوسطى العمر ، رجالا و نساءا يسارعون لموقع إطلاق الرصاص ، كأنما يسارعون لجمع غنيمة أو تحصيل نفع.
 لم يستغرق المشهد سوى دقائق و لكن كشف الكثير لى و لغيرى ، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة ، و الثبات على الحق و الإخلاص.


الاثنين، 20 مايو 2013

الدنيا أجمل من الجنة -- خالد البرى

نستهلّ سلسلة جديدة فى المدونة ، نقرأ و ننقد و نعلق على كتب متواجدة على الساحة نحسبها تحوى مضمونا و معنى و تستحق ردا عليها.
كتابنا اليوم هو كتاب الدنيا أجمل من الجنة - سيرة أصولى إسلامى
لكاتبه : خالد البرى 
رابط للكتاب على Goodreads
رابط الكاتب على Goodreads 

شدنى للكتاب بداية عنوانه الغريب ، و كونه يتناول مذكرات فى فترة حاسمة من تاريخ مصر الحديث ، أو هكذا ظننت !
عنوان الكتاب غريب ، حاولت أن أجد له تفسيرا داخل الكتاب أو بعد قراءته ، و لم أجد ، فهمته فقط بعد القراءة كما سأوضح.
عنوان الكتاب الجانبى : 
سيرة أصولى إسلامى هو عنوان غريب ، فأهل هذه التيارات لا يستعملون مصطلح الأصولية على الإطلاق ، بل هو مصطلح غربى قصد به وصفهم بصفة ما ، و لا يستعملونه فيما بينهم على الإطلاق.
( هل هذا نوع من الانسلاخ عن الفكرة ، أم أن الكاتب ما انتمى لها أصلا ؟)
صدمنى الكتاب أكثر فى الداخل ، أكثر من صدمة العنوان ، و لفت نظرى أكثر ما لفت غياب الله عن الكتاب و عن سيرة و عقل الكاتب.
الكاتب انبهر بقوة و سطوة الجماعة الإسلامية فى محيطه ، و هذا ما جذبه لهم ، فى رحلة "تعلمه " ما كان هدفه تعلم الدين ، قدر ما كان هدفه تعلم ما يجعله ظاهرا بارزا خطيبا مفوها وسط الناس.
حظ النفس كان غايته من البداية إلى النهاية ، لا الدين و لا الله ، بل حظ النفس.
و هذا ما يفسر انسلاخه عن الجماعة بعد خروجه من الاعتقال القصير الذى تعرض له ، و كان اعتقالا يسيرا كمّا و كيفا كما حكى ، فى حين أن شخصا كالمهندس عصام عبد الماجد الذى ذكر الكاتب أنه أشاد بما قدمه من مشروع لتطوير العمل الطلابى ، ما زال حتى الآن عضوا بالجماعة.
يلفت النظر أيضا ، مجاهرة الكاتب بمعاصى سجلها على نفسه فى فصوله الأخيرة من الكتاب ، و هو أمر غريب ، حيث أن عدم المجاهرة بالمعاصى ليس من نهج الجماعة الإسلامية ، بل هو من صحيح حديث الرسول صلى الله عليه و سلم
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ " .
أخرجه البخاري 8/24(6069) و"مسلم" 8/224 .

و مجاهرة الكاتب بما ذكره ، يؤكد أن ارتباطه بالجماعة و فكرة العمل الإسلامى كان فيه من حظ النفس أكثر مما فيه من عمل لله ، و الله عز و جل أعلم بالنيات.
الأمر اللافت أيضا تفريغ الكاتب فصلا كاملا من الكتاب وقت انتسابه للجماعة الإسلامية للحديث عن الجنس ، و طبعا هذا يماهى الطرح السائد عن عُقد الإسلاميين ، و هوسهم الجنسى الزائد ، و .......
و لكن عافانا الله من الرد على هذا الكلام ، بأن الكاتب أكمل هوسه الجنسى بعد ذلك أكثر من البداية ، بعد "توبته" من الجماعة الإسلامية ، و عودته لطريق الصواب !!
و راجع أيضا كتاب " البدين " للبراء أشرف لترى من لديه هوس جنسى ، هل هم الإسلاميون كما يزعم الإعلام ؟
رابط للكتاب المذكور (البدين) على Goodreads 
قارن مثلا مذكرات خالد البرى بمذكرات أحمد أبو خليل " يوما ما كنت إسلاميا " ، قارن الأسلوب و المحتوى ، قارن الاهتمامات و حديث النفس بين الكتابين ، يتضح لك الفارق فى لمحة بصر دون اجتهاد.
الكتاب ببساطة مذكرات رجل محب للظهور ضل طريقه للجماعة الإسلامية ، فقط !
عنوان الكتاب لا أرغب فى التعليق عليه ، و لكنه غاية فى الغرابة.
الغلاف طبعا يذكرك بأفلام وحيد حامد ، حيث  عضو الجماعة الإسلامية سوقى يركب الفسبا و يستاك بغصن شجرة ، بينما كل من نعرفهم من أعضاء الجماعة ، و منهم الكاتب مثلا كان طبيبا !
انتهى :)

الأربعاء، 3 أبريل 2013

حنين ( مقتطف من رواية Shutter Island )

جزء من رواية Shutter Island و التى ترجمت تحت اسم الجزيرة المغلقة

تيدى المذكور هو بطل الرواية ، و دولوريس هى زوجته المتوفاة.

  " .. لا يذكر يوما منذ موت دولوريس لم يفكّر فيه فى الانضمام إليها ، و وصل الأمر أحيانا إلى أبعد من ذلك . شعر أحيانا و كأن الاستمرار فى العيش هو عمل جبان . 
فما الجدوى من شراء الحاجيات ، أو ملء خزان وقود سيارة الكرايزلر ، أو الحلاقة ، أو انتعال الجوارب ، أو الوقوف فى صف آخر ، أو اختيار رابطة عنق ، أو كىّ قميص ، أو غسل الوجه ، أو تمشيط الشعر ، أو دفع شيك ، أو تجديد الرخصة ، أو قراءة الجريدة ، أو التبول ، أو الأكل -بمفرده- ، دوما بمفرده ، أو الذهاب إلى السينما ، أو شراء اسطوانة ، أو دفع الفواتير ، أو الحلاقة مجددا ، و الغسيل مجددا ، و النوم مجددا ، و الاستيقاظ مجددا ...
... إذا كان كل ذلك لا يجعله أقرب إليها ؟
عرف أنه يفترض به المضى قدما ، التعافى ، وضع المسألة وراءه.
لقد قال له ذلك أصدقاؤه القليلون و أقاربه القليلون ، و عرف أنه لو كان فى الخارج ينظر إلى الداخل ، لقال لذلك ال "تيدى" أن يستوعب الأمر ، و يتحلى بالشجاعة ، و يمضى قدما فى بقية حياته.
و لكن لفعل ذلك ، عليه العثور على طريقة لوضع دولوريس على رف ، و السماح لها بالامتلاء بالغبار ، على أمل أن يتراكم غبار كاف عليها لتمويه ذكراه لها ، تمويه صورتها . إلى أن تصبح ، يوما ما ، أقل من شخص عاش و أكثر من حلم امرأة.
يقولون تغلب عليها ، عليك التغلب عليها ، و لكن التغلب على ماذا ؟ على هذه الحياة اللعينة ! كيف يفترض بى إخراجك من عقلى ؟
لم ينجح الأمر لغاية الآن ، فكيف يفترض بى فعل ذلك ؟ كيف يفترض بى التخلى عنك ، هذا كل ما أسأله ، أريد الإمساك بك مجددا ، شم رائحتك مجددا ، و نعم ، أريدك أن تختفى . من فضلك أن تختفى .. "



الرواية من تأليف  Dennis Lehane
ترجمة تيا معوض
         

السبت، 23 فبراير 2013

سيد الأخلاق .. ؟؟

  ما أطول هذا الطابور ! أراه ينافس القطار فى طوله ، و يفوق كل ما تخيلت من بلطجة و سوء خلق.
بقى أمامى حوالى عشرين فردا فقط و أصل للشباك ، ما أطول الأمل ، فجأة دفعت بقوة للخلف و فقز أمامى شخص حجب رأسه الشمس عنى ، و حجبت ضخامته العالم من أمامى.
- من أنت .. ؟؟
# أنا واقف هنا و حجزت مكانى ، و ها قد عدت إليه.
- متى كان هذا ؟ ، لى -اليوم- ثلاث ساعات واقفا فى هذا الطابور و لم أرك.
# هذه مشكلتك أنت ، ماذا أفعل لك ، افعل ما تستطيع فعله.
" لا بأس بضربك إذن أيها الضخم ".


دارت الجملة الأخيرة فى عقلى -طبعا- و بأخفت صوت للتفكير إن كان له صوت !
" و لكنك أضخم من الحد الذى سمح لى الطبيب بضربه ، و كذلك فيدك تبدو كالجاروف ، و الصفعة منها قد تدمر نظارتى الجديدة -هذا فضلا عن كرامتى- "
لابأس بأن يكون أمامى 21 فردا ...

  وصلت بعد ساعة أخرى للشباك ، تجاهلنى الموظف ، و ظل يستمتع بشرب الشاى و قراءة الجريدة ، ثم طلب طعاما و بدأ يأكل ...
مرت ربع ساعة ...
- يا أستاذ ..
# نعم ، فيه حاجة ؟
- فى ورقى تاخده عشان أمشى !
# مش لما آكل ؟!! شغال من الصبح ..
- و أنا واقف من الصبح ..
# غور فى داهية ، و أنا مالى 


" هكذا ، سوف أتهور ، و لكن لن يمر الأمر بسلام ، فالمكتب ملىء بالموظفين الذين لن يمانعوا فى مجاملة زميلهم بصفعة أو ركلة ، تحطم كرامتى ، و الأهم نظارتى الجديدة ( لا تتعجب لأنه عندما تكون النظارة تساوى مرتب الشهر أو أكثر فستحتل يقينا جزءا كبيرا من تفكيرك ، حسب حجم مرتبك !).
لا بأس بالانتظار ، مرت ربع ساعة أخرى ..
و اخيرا انتهى الأمر ، و سأعود لبيتى.

  فى الأتوبيس كان الزحام شديدا ، و لسبب ما لا أدريه حتى الآن - و غالبا لن أعرفه أبدا- ، نشبت مشاجرة بين من خلفى و من بجانبى.
بدأت المشادة الكلامية ، ثم تطورت لمشادة "ملابسية " ، ثم تطايرت اللكمات و الصفعات ، و أنا لا شأن لى بالأمر كله.
و لكن "لطمة طائشة" أصابتنى و أطارت النظارة ..
و التى استقرت على الأرض ، و مرّ عليها نصف الشعب ..
و هكذا فقدتهما معا نظارتى ، و قبلها كرامتى.

نوفمبر 1997