Powered By Blogger

الخميس، 19 سبتمبر 2013

لقطات وسط الدخان : لحظة الحقيقة

المشهد حقيقى من أحدى المسيرات السلمية ضد الانقلاب الدموى الذى حدث بمصر فى 30 يونيو 2013.
أنهت المسيرة طريقها و مسارها و فى طريق عودتها ، فى أحد الشوارع الضيقة نسبيا و المليئة بالشوارع الجانبية الأكثر ضيقا ، بدأ إطلاق الرصاص فى وسط المسيرة.
فيما عرفنا بعدها أنه كمين عفوى من المواطنين الشرفاء الذين ساءهم سلمية المسيرة ، فجاءوا بأسلحتهم النارية و البيضاء - بكل عفوية و دون تخطيط و بكل سلمية ممكنة - للاعتراض علينا.
هذا و للتاريخ فقط : سيذكر التاريخ أن الداخلية كوزارة كانت تتألف فى عصرنا من قطاعين كبيرين :
القطاع النظامى و يشمل كل من يرتدى بدلة ميرى.
و القطاع الشعبى باسم "المواطنين الشرفاء" و هم فى العادة أخف تسليحا ، و أكثر حماسا من النظاميين.
و بينما تتنوع رتب القطاع النظامى للداخلية على النحو المعروف للكافة ، فإن الرتب و التنظيم الداخلى للقطاع الشعبى يظل قيد الكتمان بالنسبة لى ، و إن كان المعروف أن رئيسهم الأكبر الذى يساوى فى منصبه وزير الداخلية يسمى نخنوخ ، كما يتضح من هذا الفيديو الكاشف 
رابط للفيديو

المهم أن المواطنين الشرفاء بدءوا هجومهم السلمى لاعتراض مسيرتنا بالتدفق من شارع جانبى مطلقين الرصاص الحى و الخرطوش.وقتها بدأ مشهد لا يوصف ، تباين شديد فى المواقف من كل أفراد المسيرة.
ترى شبابا حديثى السن ، لهم سمت غير إسلامى يثبتون و يتقدمون لمصدر النار ، مع أن تقييمك المبدئى لهم طوال المسيرة كان (الناس دى أيه اللى جابها هنا ؟؟!) ، و هنا يثور السؤال : من أنت لتقوم بالتقييم !


و ترى رجالا من أكبر الموجودين سنا يخالط شيب لحاهم بقايا سواد ، و يتحركون بعكاز مثلا ، لا يفرون ، لا عن عجز ، و لا عن وهن ، بل لتثبيت غيرهم ، فيثبتون و يذكّرون بالله ، و يصرخون بالأذكار.
و من النساء ترى عجبا : ترى صمودا فى العيون ، و لا يخفى عليك لمعات دموع ، شهقات خوف ، فرار و فزع شديد عند البعض (رجالا و نساءا).
ملحوظة جانبية :
 إطلاق الرصاص الحى من مسافة قريبة و صوته المميز يسبب ذعرا فى حد ذاته خصوصا لمن لم يعتده ، أذكر أنه فى أول مرة فى ميدان الرماية بالذخيرة الحية فى الجيش ، شاهدت عدة حالات نوبات هلع نموذجية فى مواجهة تجربة إطلاق الرصاص Panic Attack like Symptoms ، و لتوضيح الصورة يشبه ما حدث لحسين فهمى فى فيلم العار لما رفض نزول البحر ليلا و أصيب بنوبة عصبية.
و بين الهلع و الخوف و الإقدام ، يتبين لك قيمتك الحقيقية ، أول فكرة تخطر بذهنك تحت الرصاص فى تلك الثوانى الفارقة ، هى قيمتك فى الحياة ، تخيل لو كانت هذه الفكرة 
يااه ، يعنى هموت و مش هشوف فلانة تانى ؟
أو تكون : هموت قبل ما أتجوز ؟!
أو تكون كوميدية لدرجة : معقولة أموت و أنا لسه جايب موبايل جديد من يومين مالحقتش أتهنى بيه !!
أو سيخطر ببالك أن الحور العين على بعد عدة أمتار منك ؟
أو سيخطر ببالك بيت خبيب بن عدى 
ولست أبالي حين أقتل مسلماً  ----  على أي جنب كان في الله مصرعي
لحظة من أكشف ما يكون ، ترى فيها حقيقتك عارية ، دون زيف أو تصنع ، حقيقتك بلا رتوش و لا تجمل 

 تذكرت بعدها (بعدما عدت للبيت) قصة بيت الشعر عن حمام منجاب 
و القصة تقول :
كان هناك رجلا واقفاً بإزاء داره.. وكان بابها يشبه باب هذا الحمام..
فمرت به جارية لها منظر.. فقالت : أين الطريق إلى حمام منجاب ؟
فأشار إلى باب بيته وقال : هذا حمام منجاب..
فدخلت الدار ودخل وراءها فلما رأت نفسها في داره.. وعلمت أنه قد خدعها.. أظهرت له البشر والفرح باجتماعها معه.. وقالت : خدعة منها له وتحيلاً لتتخلص مما أوقعها فيه.. وخوفاً من فعل الفاحشة.. "يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقرّ به عيوننا.."(تقصد أن يشتري طعاما وفاكهة)
فقال لها : الساعة آتيك بكل ما تريدين..
وخرج وتركها في الدار ولم يغلقها.. فأخذ ما يصلح ورجع.. فوجدها قد خرجت.. فهام الرجل.. وأكثر الذكر لها.. وجعل يمشي في الطرق ويقول :
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت * أين الطريق إلي حمام منجاب
فبينما يقول ذلك وإذا بجارية أجابته قائلة :
هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها *حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب
فازداد هيجانه ولم يزل يردد هذا البيت حتى ساعة إحتضاره قالوا له قل لا إله إلا الله ‘ فقال
يا رب قائلة يوماً وقد تعبت * أين الطريق إلي حمام منجاب


مهما زعمت كونك شجاعا او جسورا أو ذو قلب ميت بالتعبير العامى ، كل الكلام النظرى لا جدوى له ، الفيصل فيما يظهر تحت الرصاص.
يذكرنى هذا بفلسفة التدريب فى الفنون القتالية التى تؤكد أن التدريب و إن طال لا معنى له ما لم تخض قتالا حقيقيا ، و أن القتال هو التدريب الحقيقى.
يقال أن هذه التجربة يسمونها فى العلوم العسكرية تطعيم المعركة ، و بعدها تزول الرهبة من صوت الرصاص ، و ارتباطه بالموت ، و يقل الخوف ، و لهذا تكون تجربتك الأولى مع الرصاص وجها لوجه هى لحظة ميلاد لك.
تحدد من أنت ، و تحدد ما هى قيمتك ، و ما هى أفكارك الأساسية التى تحكم حياتك Core Ideas.
تجربة ثرية ، لحظة ميلاد ، لا تستغرق إلا ثوانى ، و تصير بعدها شخصا آخرا ، أقوى أو أضعف أو الاثنين معا ، و لكن بالتأكيد أقرب لنفسك ، أكثر وعيا بحقيقتك دون زيف أو تصنع ، قد تعود للتصنع بعدها و إدعاء القوة و الجلد ، و لكنك بعدما رأيت و عاينت حقيقتك.
استمرت المعركة لدقائق قليلة انسحب بعدها المواطنون الشرفاء تحت وابل الحجارة و فروا فرار الضباع الضالة.
و لكن من المشاركين من انهار فى نوبة بكاء هستيرية (و لربما كان رجلا شابا بادى البأس ) ، و من فقدت وعيها و انشغل من حولها بإفاقتها ، و هناك من ارتعب لدرجة تصميمه على ترك المسيرة ، و إصراره على المضى فى طريق مخالف وحده 
(وقبض عليه لاحقا فى كمين للشرطة حيث يبدو أن هدف كمين المواطنين الشرفاء توجيه المسيرة لشارع آخر به كمائن متعددة للجيش و الشرطة).
و من الناس من أبدى ثباتا عجيبا ، فور سماع الرصاص ، انطلق يجرى بهمة ، و تلمع عينيه بلمعة فرح ، كأنما سمع صوت نتيجة الثانوية و كونه أولها ، فرح عجيب و سباق على الوصول لمكان الرصاص ، و هم ليسوا قلة ، ترى قطاع من المسيرة ، مكون من طوائف شتى ، شباب و شيوخ و متوسطى العمر ، رجالا و نساءا يسارعون لموقع إطلاق الرصاص ، كأنما يسارعون لجمع غنيمة أو تحصيل نفع.
 لم يستغرق المشهد سوى دقائق و لكن كشف الكثير لى و لغيرى ، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة ، و الثبات على الحق و الإخلاص.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق