Powered By Blogger

الخميس، 31 مارس 2011

الدولة الدينية و الدولة المدنية و نشأة العلمانية 2

و لما عمت البلوى تحت الحكم المستند لنظرية الحق الإلهى كما أسلفنا ، وجب على الشعوب أن تتحرك لتستعيد حياتها.
و لما كانت سنة الله عز و جل فى الكون هى أن لكل فعل رد فعل مساوى له فى المقدار و مضاد له فى الاتجاه ، و لما كان الأنسان مجبولا على جلب النفع و درء الضرّ ، اتجهت أفكار التحرر للبعد عن الدين الذى سبب لهم -فى رأيهم- ما سبب ، تحت نظرية الحكم بالحق الإلهى.
بدأ القضاء على نظرية الحق الإلهى فى الثورة الأنجليزية 1688-1689 ، و استمر فى البلاد المختلفة حتى انتهى فعليا فى أوائل القرن العشرين.
و كرد فعل لفترة الحكم بالحق الإلهى بدا ظهور متدرج لفكرة تقليص سلطات الحاكم المطلق، مرت الفكرة بمراحل متدرجة تبلورت إلى فكرة العلمانية.
و لما كانت فكرة العلمانية من الأفكار الشديدة الانتشار ، و المثيرة للجدل بين مدافع و مهاجم ، وجب أن نفرد لها قدرا أكبر من التدقيق.
أولا يجب علينا أن نؤكد أن الترجمة الشائعة للعلمانية Secularism سواءا كانت بفتح أو كسر العين ، هو ترجمة شائعة خاطئة و أن الأصح هو كلمة دنيوية.


تعريفات لغوية للكلمة:
* ويقول قاموس وبستر، شارحاً المادة نفسها:
1. الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك ، على الخصوص:
نظام من المبادئ والتطبيقات "Practices" يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة.
2. الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة، وخاصة التربية العامة.
رابط للتعريف


تقول دائرة المعارف البريطانية مادة "Secularism":
"وهي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ "Secularism" تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.
رابط للتعريف


ويقول معجم أكسفورد شارحاً كلمة ":Secular"
 دنيوي، أو مادي، ليس دينياً ولا روحياً، مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
  الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
و لمن شاء التوسع فى البحث أن يتوسع ، فطرق البحث و التدقيق صارت بالضغط على الفأرة و ليس بضرب أكباد الإبل !
ظهر المصطلح للمرة الأولى فى عام 1851 على يد يد الكاتب الأنجليزى جورج جاكوب هولياوك  George Holyoake
يرجى زيارة السيرة الذاتية لهذا الرجل صاحب صياغة المصطلح للمرة الأولى لمعرفة نبذة عن حياته ، فأفكار المرء نتاج حياته.
و عرف الرجل الدنيوية بأنها فصل للدولة تماما عن الدين.
و يدعو لفصل كافة أنشطة الحياة البشرية عن الدين بالكلية.
و برغم أن جورج هولياك نفسه كان ملحدا لا يؤمن بوجود إله ، إلا أن نصّ على ان الدنيوية هى حركة لا تضاد الدين المسيحى.

و فى آخر التعريفات انقسمت الدنيوية لمذهبين كبيرين:
المذهب الشامل أو الصلب Hard Secularism: و التى ترى أن الأطروحات الدينية غير مقبولة معرفيا بالكلية ، و لا يؤيدها تجربة أو فكر.
المذهب الجزئى أو اللين Soft Secularism : و التى ترى أن الحقيقة المطلقة يستحيل الوصول لها ، و بالتالى يجب علينا أن يكون التشكيك و التسامح هما القيم المهيمنة فى مناقشتنا لكل ما هو دنيوى أو دينى.


الجذور الفلسفية للدنيوية:
و حسب التقسيم السابق لمدرستى الدنيوية نستطيع أن نعيد كلا منها لمصادرها الفلسفية ، ليتأتى لنا فهما أعمق و أوضح لكل منهما.
المذهب الأول الشامل هو مذهب إلحادى بالكلية ، لا يرى للدين وجودا ، و فلسفته واضحة.
المذهب الثانى الجزئى يعترف بوجود الدين و لكن فى أطار الفصل التام بين السماء و الأرض ، افتراضا بأن العالم مكتف بذاته و لا يحتاج تدخل من شريعة سماوية ، بل يدار بذاته.
و هذا الأمر له جذور فلسفية أوروبية سابقة ، تعود لأرسطو الذى يرى ان الإله خلق الكون و انعزل عنه ، فالكون يدار بذاته ، و أن عناية الإله موقوفة على ذاته و لا تدخل لها فى الأحداث الجزئية فى العالم و الطبيعة.
و بالتالى فالمصدر الوحيد للمعرفة هو الأنسان ، تجاربه و أفكاره فقط ، دون النظر أو الحاجة لأى تدخل من السماء.
و ساعد على نشر هذا المبدأ ، مقولة المسيح عليه السلام " اعطوا ما لقيصر لقيصر ، و ما لله لله" ، و هى المقولة التى حكمت علاقة الدين بالدولة فى المسيحية لقرون طويلة 
( راجع نظرية السيفين فى المقال السابق Two Sword Theory ).
فالعلمانية الجزئية اللينة غير المنكرة للدين تدعو لعزل السماء عن الأرض ، و الدين عن الدنيا ، و إحلال الانسان فى تدبير العمران البشرى محل الله.

و لا يفوتنا أن نذكر أن موسوعة BBC للأديان ذكرت الدنيوية و المذهب الدنيوى على أن أحد الأفكار المضادة للدين بالكلية
رابط








مصادر للإطلاع أكثر:
http://en.wikipedia.org/wiki/Secularism
http://www.newadvent.org/cathen/13676a.htm
http://www.secularism.org.uk/whatissecularism.htmlكتاب العلمانية بين الغرب و الإسلام للدكتور محمد عمارة.

الدولة المدنية:

و لنا هنا عدة ملاحظة : أن مصطلح الدولة المدنية لم أجد له أصل لا تاريخى و لا لغوى (أعنى مصطلح ثابت مثل المصطلحات الأخرى) ، و هذا قد يؤكد أنه مصطلح شكلناه نحن العرب ، و قد يكون الأمر سوء فهم أو سوء بحث منى ، و ليس سوء نية.

و لكن المعنى الشائع عربيا للدولة المدنية أنها هى الدولة التى تقوم على أساس المذهب الدنيوى الذى أفضنا فى ذكره فيما سبق.


يتابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق