كان من أهم مطالب الثورة ، و لا يزال تطهير الداخلية من المفسدين.
و كان و لا يزال الانفلات الأمنى الملموس ، أحد الضغوط على الشعب فى كل المجالات.
و لما كان الأمر من الأهمية بمكان ،
لأن وجود الداخلية هو ببساطة أحد جناحى الدولة :
فأى دولة هى عبارة عن مؤسسة تصدر قوانين ، و لديها القدرة على فرضها و تنفيذها (وهو دور الداخلية).
جهاز الداخلية فى مصر أزعم أنه ضحية أكثر منه جانى ، ليس ضحية لنا ، بل ضحية لمن أنشأه و رباه على أنه السيد المطاع ، و علمه أن التحرى لا جدوى منه و أن العنف فى الاستجواب و التعذيب هو السبيل السليم ، ضحية من علمه أن هيبته تأتى من ضعف و ذل الشعب ، و ليس من احترامه له.
فضلا راجع رابط هيبة الشرطة 2 الرابط
و لكل إصلاح طريقان :
-إصلاح جذرى و كلى : عن طريق حل الجهاز و تكوين جهاز جديد من الصفر.
و حدث هذا فى العراق بعد الاحتلال و كانت نتائجه كارثية كما نعرف جميعا ، و حدث فى جورجيا عقب الثورة البرتقالية ، و نجح نجاحا بارزا.
- الإصلاح التدريجى الجزئى : بمعنى إدخال تحسينات على خطوات و الاعتماد على عامل الزمن فى التغيير.
شخصيا أميل للطريقة الثانية ، لأن بدء شيىء من الصفر أصعب و أكثر تكلفة ، بينما الإصلاح غالبا ما يكون أسهل و مجدى أكثر.
الإصلاح فى الشرطة له محورين كبيرين :
الأول هو تطبيق حازم لسياسة الثواب و العقاب ، مع تعديل القوانين المتعلقة بهم.
الثانى تطوير طريقة العمل داخل الجهاز لسد الثغرات التى يحدث منها تجاوزات أو فساد.
أولا : الإصلاح بطريقة الثواب و العقاب:
الثواب و العقاب هما فى أغلب الوقت حاكمى السلوك البشرى ، هكذا خلق الله عزو جل الانسان ، و خلق الله عز و جل له الجنة و النار.
و الثواب و العقاب يستلزم أول ما يستلزم قواعد واضحة لتطبيقه ، و هذا أمر ميسور ، و متابعة و إشراف للتطبيق.
و هذا ما يحتاج لتطوير.
فى الماضى كان من يقوم بالمتابعة جهاز داخلى يسمى التفتيش ، عبارة عن مجموعة من الضباط منتقاة لهذا الغرض.
و لما كان الآداء قبل الثورة ليس على المستوى المرضى ، وجب توسيع نشاط هذا الجاهز من حيث كم و الكيف.
يجب توسيع نطاق سلطاته ، للمراقبة و التفتيش على الأقسام و السجون ، و مراجعة الإجراءات فى الحالات المربكة ، و عمل عينات عشوائية للمراجعة.
(ليس من المنطقى أن تفشل أغلب قضايا المخدرات لأخطاء إجرائية ، و ليست كلها ملفقة بالطبع).
و يجب أن يكون هذا الجهاز منتشرا فى كل المحافظات و يتمتع بصورة من اللامركزية ، لتسهيل مهامه و التقليل من السيطرة عليه.
و فى الوقت الحالى لا يصح أن يكون هذا الجهاز من رجال الشرطة فقط كما كان فى السابق ، بل يجب أن يضم بعضا من رجال القضاء ، و بعض من نشطاء حقوق الانسان، و الحقوقيين المتخصصين كأعضاء من نقابة المحامين.
(هؤلاء الأعضاء متفرغين تماما لعملهم بالمجلس) .
و لابد من وجود حافز لهذه اللجنة للقيام بعملها ، سواءا كان ماديا أو معنويا ، و نذكر فى هذا الصدد تجربة ناجحة لوزير المالية السابق فى مكافحة التهرب الضريبى ، حيث جعل المأمور الذى يقبض على متهرب له مكافأة تقريبا نصف المبلغ الذى ضبطه ،
و بهذا جعل التهرب مكلفا أكثر من دفع الضرائب بالنسبة للممول ، و جعل الرشوة ضئيلة جدا بالنسبة لعائد آداء العمل بالنسبة لمأمور الضرائب.
ثانيا: تطوير طريقة الآداء
و ذلك للتقليل من فرص التجاوزات و الفساد ، كالتالى :
فى الأعمال التجارية و فى كل عمل منظم ، يوجد ما يسمى بالدورة المستندية الكاملة ، و وظيفتها تتبع الوظيفة أو المال من وقت خروجه من الخزانة و حتى عودته ، بأوراق مسجلة و مدققة و مسئوليات موزعة.
و هذا الأمر موجود بالقطع ، و لكن لما كنا فى مصر من أساتذة ضبط الأوراق
و الاستعداد للتفتيش دوما ، حتى و لو على خلاف الحقيقة (و على رأى المثل أهم من الشغل ، ضبط الشغل !).
لذا أقترح نقل هذه الدورة المستندية لتكون الكترونية كلية.
كمثال :
فى كمين المرور الذى يقف على الطرقات ، شك الضابط فى أحد المارة ، لا داعى لأن يحتجزه و يسحله حتى يعرف ماضيه ، ببساطة يجعله يضغط يأصبعه على قارىء بصمة مرتبط ب PDA أو ما شابه ، ليكشف عن سجله الجنائى.
(عن طريق شبكة متصلة بالسجل المدنى و مصلحة الأدلة الجنائية) ، إن كان الرجل مطلوبا على ذمة شيىء ما ، يؤشر الضابط بضغطة على سبب الضبط ، و يتم أوتوماتيكيا تسجيل هذا الضبط و وقته و ساعته.
و ان لم يكن مطلوبا ، مضى لحال سبيله.
عند نقل المتهم للقسم ، يسجل عند وصوله بالوقت و الساعة و الحالة عند الوصول ،
و هذا التسجيل أيضا ألكترونى ، و لا يمكن الكذب فيه لأن كل الأقسام بها كاميرات مراقبة لحماية الضباط من ادعاءات المجرمين بأنهم ينتهكون حقوقهم.
و لما كان الجزاء رادعا ، لن يستقبل الضابط متهما مهشما دون تسجيل هذا على من سلمه له ، لأنه لن يتلقى الجزاء و يفقد عمله من أجل آخر.
و أزعم أن حالات الربو المميت التى تنتشر داخل الأقسام ستقل كثيرا كذلك !
و لهذا عدة مزايا :
- تقليل التلاعب فى الأوراق ، لأن التسجيل يكون وقتيا بأكواد (يشبه نظام التأمين الصحى فى أمريكا مثلا).
- يقلل من فرص التجاوزات لانعدام سببها و عدم توفر الوقت لها.
- عندما تكون العقوبة رادعة على التجاوز ، و يكون التطبيق فعليا ، بمعنى أن من يتجاوز يعاقب حقيقة ، سوف يقل التجاوز مهما كان سببه.
طبعا كل ما سبق جهد المقل ، و لا ينتظر أن يقوم مدنى لا خبرة له بالعمل الشرطى بوضع نظام كامل متكامل قابل للتنفيذ الفورى ، بل قد يقترح فكرة أو أكثر ، و ليت الضباط الشرفاء و هم موجودون يدلون بدلوهم فى هذا الأمر.
طبعا الكلام السابق إصلاح سريع لمشكلة آنية ، و لكن يلزم إصلاح المنهج التعليمى للشرطة ، و إصلاح نظم الأجور و الترقيات و غيرها من الإصلاحات الداخلية التى يعانى منها ضباط الشرطة.
بالطبع سيكون هناك جهد سيبذل من الشرطة لتنفيذ هذا الكلام و لكن هذا حق الشعب.
راجع المقال السابق حول كرامة الشرطة لتفاصيل أكثر رابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق