Powered By Blogger

الأربعاء، 4 مايو 2011

زجاجة عطر للرافعى

زجاجة عطر

" وأهدى لها مرة زجاجة من العطر الثمين وكتب معها : "
يا زجاجة العطر ، اذهبي إليها وتعطري بمس يديها وكوني رسالة قلبي لديها.
وها أنذا أنثر القبلات على جوانبك :  فمتى لمستك فضعي قبلتي على بنانها ، وألقيها خفية ظاهرة في مثل حنوّ نظرتها وحنانها، والمسيها من تلك القبلات معاني افراحها في قلبي ومعاني أشجانها.
وها أنذا اصافحك فمتى أخذتك في يدها فكوني لمسة الأشواق ، وها أنذا أضمك إلى قلبي فمتى فتحتك فانثري عليها في معاني العطر لمسات العناق.

                               ****
إنها الحبيبة يا زجاجة العطر! وما أنت كسواك من كل زجاجة ملأت سائلا ، ولا هي كسواها من كل امرأة ملأت حسنا ، وكما افتنت الصناعة في إبداعك واستخراجك افتنت الحياة في جمالها وفتنتها ، حتى لأحسب أسرار الحياة في غيرها من النساء تعمل بطبيعة وقانون ، وفيها وحدها تعمل بفن وظرف.
وأنت سبيكة عطر كل موضع منك يأرج ويتوهج ، وهي سبيكة جمال كل موضع فيها يستبي ويتصبى؟ 
وما ظهرت معانيك إلا أفعمت الهواء من حولك بالشذا ، ولا ظهرت معانيها إلا أفعمت القلوب من حولها بالحب .
وكلتاكما لا تمس أحد منهما إلا تلبس بها فلا يستطيع أن يخلص منها ، و لا يستوى له أن يخلص منها.
أنت عندي أجمل أنثى في الطيب من بنات الزهر ، وهي عندي أجمل أنثى في الحب من بنات آدم.

                               ************

قولي لها يا زجاجة العطر أنك خرجت من أزهار كأنها شعل نباتية ، وكانت في الرياض على فروعها كأنه تجسمت من أشعة الشمس والقمر ، فلما ابتعتك وصرت في يدي ، خرجتِ من شعل غرامية وأصبحت كأنك تجسمت من أشواقي وتحياتي ولمسات فكري، ولذلك أهديتك …
وقولي لها : إن شوق الأرواح العاشقة يحتاج دائما إلى تعبير جميل كجمالها ، بليغ كبلاغتها ، ينفذ إلى قلب الحبيب بقوة الحياة سواء رضي أو لم يرض وهذا الشوق النافذ كان الأصل الذي من أجله خلق العطر في الطبيعة.
فحينما تسكب الجميلة قطرة من الطيب على جسمها ، تنسكب في هذا الجسم أشواق وأشواق من حيث تدري ولا تدري ، ولذلك بعثتك.. 
وقولى لها : إنك اتساق بين الجمال والحب، فحين تهدَى زجاجة العطر من محب إلى حبيبته فإنما هو يهدي إليها الوسيلة التي تخلق حول جسمها الجميل الفاتن جو قلبه العاشق المفتون ولو تجسم هذا المعنى حينئذ فتمثل فنظره ناظر ، لرآها محاطة بشخص أثيري ذائب من الهوى واللوعة يفور حولها في الجو ويسطع ولذلك يا زجاجة العطر أرسلتك…..

                                       ******
أيها العطر ! كانت أزهارك فكرة من فن الحسن توثبت وطافت زمنا على مظاهر الكون الجميلة ، كي تعود آخرا فتكون من فن الحب وفي ذلك مازجت الماء العذب ، ولامست أضواء القمر والنجوم ، وخالطت أشعة الشمس ، واغتسلت بمائة فجر منذ غرسها إلى إزهارها ، لتصلح بعد ذلك أن يمس عطرها جسم الحبيبة ويكون رسالة حبي إليها !
أيها العطر ! لقد خرجت من أزهار جميلة وستعلم حين تسكبك هى على جسمها الفاتن أنك رجعت إلى أجمل من أزهارك ،  وأنك ،  كالمؤمنين تركوا الدنيا ولكنهم نالو الجنة ونعيمها ...!

من كتاب أوراق الورد للأديب مصطفى صادق الرافعى



هناك 4 تعليقات:

  1. اين هذا الحب؟
    الحب حلم يبقي جميلا اذا بقي حلما ..ما ان يصير الحلم حقيقة الا ويفتقد هذا السحر والشوق والتمني!!!!اري كل من احب ولم يتحقق حلمه بالاقتراب ممن احب في نعمة لانك ستظل تراه علي الصورة الجميلة والبريئة وستظل تحلم هذا الحلم المستحيل...ان تبقي تحلم احسن من ان تعيش كابوسا...لا تندم علي حب ضاع منك لانه بضياعه بقي جميلا رقيقا

    ردحذف
    الردود
    1. قد يكون هناك مثل هذا الحب لكن للاسف لن يكتمل ولن يصبح موجود .. ليس للحب معنى بعد الانقطاعات و الشجار فيصبح حلم و حب ضائع

      حذف
  2. مع شديد الاحترام لرأى سيادتك ، الحب ذوبان ، و حلم الحب الضائع عذاب لا ينتهى ، لا يحب من يحب صورة معينة أو حالة معينة ، بل يحبك من برى كل عيوبك و يحبها ، و يحب أن يخدمك فى مرضك و ضعفك ، و يحب من يحب أن يشيخ معك ، فهل لهذا روى فى الحديث "لم ير للمتحابين مثل النكاح" رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، ورواه البيهقي بلفظ: "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح".

    ردحذف