Powered By Blogger

الخميس، 25 أغسطس 2011

حيرة الحرية و أبعادها

  تخيل معى أن طفلا صغيرا فى الثامنة من عمره ، يأخذ مصروفه من والده كل يوم ، نصف جنيه مثلا ، ما الذى يمكن أن يشتريه و هو فى الطريق لمدرسته ؟
قطعة من الحلوى محددة بالمبلغ الذى يملكه ، لا يمكنه أن يشترى نوعا أغلى ، و لا عدد كبير.
تخيل مرة أخرى أن هذا الطفل فى العيد أخذه أخوه الأكبر إلى أحد المولات الكبيرة
 و أعطاه عشرين جنيها و طلب منه أن يشترى ما يريد.
قطعا سيحتار الطفل ، و يرتبك ، مئات الأصناف و الألوان و الأشكال ، و سبب الحيرة ليس تنوع الأصناف فهى موجودة منذ الأزل ، و لكن سبب الحيرة كونها صارت متاحة له ، فى متناول اليد.
و هذا حالنا ، انتقلنا من نظام كان يحدد لنا كل شيىء ، ينتخب لنا ، يعدل لنا القوانين ، يقلل أجورنا ، يرفع ضرائبنا ، بل و يختار لنا أصدقائنا.
و فجأة انهار السد الوهمى ، صارت أحلامنا حقائق ، كل منّا يملك حق الحلم و يملك تنفيذه ، و لم تعد أحلام يقظة ، بل صارت أقرب لخطط قابلة للتنفيذ.
و لذا فحيرتنا الحالية أمر عادى ، بل و جميل ، فهو يشى بأننا وصلنا لمرحلة القناعة بأننا ذوو فائدة ، أحلامنا و كلامنا و أفكارنا ، لم تعد لشغل وقت الفراغ ، بل صارت تصلح لتغيير ما حولنا.
و لكن هل تستمر هذه الحيرة ؟ و ما المخرج الآمن منها ؟
تخيل معى أن هذه الطفل لسبب ما صار مصروفه اليومى عشرون جنيها بصورة دائمة ، و صار يتسوق فى نفس المول الكبير يوميا ، كم ستستمر حيرته ؟
أجزم أنها ستستمر لفترة قصيرة ، حتى يتجاوز صدمة الحرية ، و يجرب صنفا من هنا و صنفا من هناك ، و يكوّن ذوقه الخاص و خياراته المفضلة.
و إن شئت فراجع مثلا موقف زوجة متزوجة حديثا من أنواع المنظفات المختلفة أو أنواع السمن المختلفة و حيرتها بينهم ، و موقف أمها من نفس الموضوع .
الحيرة صحية .
و هناك نوع من الجناس اللفظى بينها و بين الحرية.
فأزعم أن لا حرية بغير حيرة !!
و لا يوجد لها حل جماعى ، و لا حل فورى.
بل لها حلول فردية ، يسعى كل منّأ لتعزيز فهمه و ذوقه و تكوين اختياراته.
و لكن ...
و نحن نفعل هذا نحترم حريات الآخرين ، و نفرق بين الاختلاف و الخلاف.
مثلا بعض الأطفال يفضل نوعا معينا من الحلوى ، و لكنه لا يفرضه على غيره ، قد يعرضه و لكن لا يفرضه.
و قد تشير المرأة على صديقتها بنوع منظف معين ، و لكنها لا تقاطعها لو استعملت غيره !
هل ثقافتنا الشرائية أنضج من ثقافتنا السياسية ؟!!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق