Powered By Blogger

الجمعة، 6 مايو 2011

نار الكلمة للرافعى

نار الكلمة
تقولين فى كتابك أيتها الحبيبة : و لعمرى إنى لأستحس وهجا من حرارة الجذوة التى فى قلبك ، أشعر به ومن بينى و بينك عرض المشرق و لقد عرفت هذه النار و آمنت بما قلته لى مرة من أنها اتصال الشعاع الأزلى بالقلب الإنسانى ملطفا فى وسيلة إنسانية ، مخففا بجمال ، مزخرفا بلذة ، معابا برغبات كثيرة كيلا يمحق محقه الذى كان أخفه و أيسره أن تجلى للجبل فجعله دكاء ، و لكن أيها الصديق ...
و لكن بأى نار تشعل ألفاظ رسائلك ؟ و كيف ينبض القلم فى يدك هذه النبضات الحية المتمثلة حتى ما يخالجنى شك فى أنه لو وضع على كتابك ميزان الحرارة لجاءت درجته فى حرارة قلب.

                             ***********

أتجهلين ... ؟ يا بعد ذلك !
أتعرفين ... ؟ يا حب ذلك !
إنما تأتى رسائلى أيتها العزيزة من تحول الكهربائية التى فى قلبى إلى ألفاظ ، إذ يدفعها الشوق أن تكون عملا منى بعد أن كانت عملا منك و هى كالنور ، لا يرى حتى يلبس ما يرى فيه ، فتلبس الكهربائية ألفاظى و تتراءى.
و أنما تأتى المعانى التى أبدعها فيك من تلك العواطف التى تخلقينها أنت فىّ ، و كما لا ينطق فم الإنسان من شفة واحدة : فكذلك لابد للحب من اثنين ليتكلم فم الحقيقة بكلام الحب !
و ما أكتب لك حرفا حتى اراك قبل فى مرآة نفسى ، و أتمثلنى فى مرآة نفسك  ، ثم أضع بيننا مرآة اللغة فتعكس منى و منك أجزاءا و صورا تكون هى كلماتى.
و لو رأيتنى و أنا أتلو رسائلك ، ل{ايت أنك لا تكتبين لى كلاما ، بل تزرعين فى الورق زهر أنفاسم فيأتينى فأقرؤه . أى أقطفه ...
و بهذه الطريقة أكتب كلماتى ، أى أزرع تنهداتى يا حبيبتى.
و الخائف من شيىء يرى لاسمه بعض عمله من تأثير الخوف على أعصابه ، فاسم الثعبان عند من لدغ مرة هو لفظ كالأبرة يمس مكان اللدغة ، كلمة الذئب تعض ... و كلمات الحب يا حبيبتى تتألم.

                          ***************

لست اشعل ألفاظى و لا ينبض القلم فى يدى نبضات حية ، و لكن هذا و ذلك غليان دمى  على أربع نيران ، هى خيالى ،  و غرامى ، و فكرى ، و الفكر النارى الذى هو أنت و الجمال الذى أحمى على شبابك حتى بلغ درجة الاحمرار فى خديك و شفتيك !
هو الوجد ، ذلك الوجد الذى يوحى لكل عاشق بأنه إن امتنع على الفم أن يلقى فى القبلة أنفاسه الحرى على وجه الحبيب ، فليقابل وجهه بألفاظه الحارة فى رسالة ..
هو الجمال ، ذلك الجمال الذى يريد عن نفسه تعبيرا صادقا حيا ، فيتخذ العاشق هيئة فكر مثقلة بالالآم و تباريح الصبابة و الشعر و الخيال عاليا عاليا إلى الحكمة ، أو نازلا نازلا إلى الرذيلة ، أو هالكا هالكا إلى الجنون !

                            *************

إنما أضرب على أوتار نفسك ألمسها بأفكارى و نظراتى و أشواقى ، و بأفراح المعرفة الغرامية و آلامها ، و أخرج من ذلك أنغام حبى التى هى رسائلى !
و إذا كنت أنا المتكلم فمعنى ذلم أنك أنت المتكلمة بى ، و فنك يا موسيقى الجمال هو فى تركيبك الجميل و انطوائك  به على أسرارك ، و لكن فنى إنما هو فى لمساتى عنفا و رقة ، و كلماتى كالأزهار تخلق فيها مادة ألوانها و أعطارها و ديباجها ، لأن أرواح أغراسها تنسكب فيها ، و حين يلقى الشعاع كلمته الغرامية فى قلب كل شجرة من ذوات الزهر ، تفكر الشجرة مدة ثم تزهر و  تتفتح ، أى تجيب بأسلوب نسائى فى ظرف و رقة و لون و عطر و حرير و تبرج.
و لست أشك أن الجمال فى هذه الوجود مظهر مؤنث ، حتى أن معرفة الأسد تظهر كشعر امرأة ... و من ذلك ما تبدو الأشياء الجميلة فى خيال العاشق المتدله كأنما فى كل نظرة أنثى ... أنثى جعلت قلبها نحوه.
إن لم تغلبى على الكون يا حبيبتى فقد غلبت على نظرتى إليه !
فكل جمال فى الكون هو رسالة منك إلىّ ، و بذلك أصبحت للعالم خلقة أخرى فى مخيلتى ، عليها أثرك الغرامى ، و كأنما نحن عنصران منبثان فى كل ما حولنا فما نمس شيئا أو ننظر شيئا إلا وضعنا فيه روحانية القلب.
و لن يكون الحب عشقا ما لم يرتفع بالنفس عن ذاتها ، و لا تسمو النفس عن ذاتها ما لم يعل نظرها إلى الأشياء ، و النظر الإنسانى لا يعلو بشيىء إلا إذا ألبسه معناه الإلهى.

                              **********************

أيكون الحب تنقيحا فى معانى الكون بالنفس و خيالاتها ، أم فى معانى النفس بالكون و حقائقه ، أم كليهما ؟
أم أنى أستروح أنفاسك و قد ناسمتنى كرويحة الفجر عذبة باردة فما تزيدنى إلا ضراما ، كأنما تهب منى على جمرة ذاكية.
و لا يكون الشعور بالحب ناريا ما لم يكن فى الحب نفسه مزجا للنفس العاشقة بالكهربائية السارية فى الكون ، المالئة لنواحيه و أطرافه ، النابضة بكل ما فيه.
و إذا كان هذا هو الشأن فالوجود مقفل حتى تفتحه للرجل امرأة و يفتحه للمرأة رجل ، و لا تزال معانى جماله فى قناعها ، و زخارف حلاه فى أستارها ، كمتاع القصر من وراء باب القصر المقفل على ما فيه ، حتى يدور فى قفل الكون مفتاح الحب.
النهار يفتح بالشمس ، و الليل يفتتح بالكواكب ، أما الحب فلم يفتح إلا بوجهك يا حبيبتى.
و الشمس و الكواكب نار ، و لكنها على الدنيا نور ، أما وجهك فنور ، و لكنه على قلبى نار !
أتجهلين ... ؟
أتعرفين ... ؟

أنتهى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق