Powered By Blogger

الجمعة، 20 مايو 2011

الحذاء الضيق عزيز نيسين

انتعلوا حذاءا ضيقا عند ذهابكم لطلب فتاة. البسوا حذاءا ضيقا بعض النمر عندما تلتقون للمرة الأولى بمن سيصبح حماكم فى المستقبل.
تستطيعون الزواج من الفتاة التى تريدون عندما ترتدون حذاءا ضيقا ، حتى لو رفضت تلك الفتاة ، فإن والديها سيجبرانها على ذلك و هذا مجرب لا محال.
لقد تعلمت تلك الحقيقة قبل سنوات طويلة.
عشق "سيرمت" فتاة حتى الجنون ، و بسبب هذا العشق أهمل جميع أشغاله و أعماله ، جميع أصدقائه كانوا يشفقون عليه و على حالته ، حتى أننى قلت له ذات مرة :
- أتحبك الفتاة ؟
- و أى حب...
- إذن تزوجا.
- و كيف أتزوج يا أخى و أنا هنا وحيد فى أسطنبول ، أمى و أبى فى أرظروم و لا أحد لى هنا ، فمن سيطلب الفتاة من أمها ؟
- ياهوه ، تلك الأزمان ولت ، اذهب مباشرة إلى والدها و قل له " توافقت و اتفقت مع ابنتكم لذلك أرجوكم أن تمدوا لى يد المساعدة للزواج بها"
- و أنا من أجل ذلك سأتزوج ، والد الفتاة غنى ، و بغير هذه الوسيلة لا أستطيع ضمان حياتى ، هيا لنذهب والدا الفتاة فى البيت اليوم.
- لا أستطيع يا عزيزى سومرت.
- إنها خدمة أخوية ، و بفضلها ستنقذ حياتى.
وافقت لأنه كان على وشك البكاء ، حذائى الذى أنتعله أصبح مهترئا ، أضحى مثل تمساح فاغر فمه، أيعقل أن نذهب لبيت الفتاة بهذا الحذاء ؟ و لا نقود لدى لشراء حذاء جديد.
طلبت سلفة من معلمى على الرغم من معرفتى ببخله و أنه أبخل من فى بيبالى ، قال لى يومها :
- هاه تذكرت ، عليك عشرة ليرات هل سددتها ؟
أما مديرنا الإدارى فهو رجل طيب ، أنقذنى و أعطانى خمس عشرة ليرة على أن يحسم المبلغ من راتبى.
اتجهنا أنا و سرمت مباشرة إلى سوق الأحذية المحلية ، هناك تباع أرخص الأحذية.
تعتبر الأحذية ذات المقاسات دون السبعة و الثلاثين أحذية ولادية و تباع بأربع عشرة ليرة و سبعين قرشا، و ما فوق حتى الستة و أربعين أحذية رجالية ، أغلى بعشرة ليرات.
مقاس قدمى ثمانية و ثلاثين.
إن هذه المفارقة تعتبر من أكثرها ظلما فى الحياة ، أيعقل أن أدفع عشر ليرات زائدة بسبب نمرة واحدة ؟ عدا عن ذلك من غير المعقول أن يكون سعر الحذاء ثمانية

و ثلاثين بسعر الستة و أربعين.
لم أستطع شرح هذه المظلمة للبائع بأى شكل من الأشكال ، لذلك اتجهنا للمدير ، أظهر تفهمه إلا أنه قال:
- ماذا نفعل إذا كانت الأنظمة السارية هكذا ؟
لم أستطع ضبط نفسى لذلك رحت ألقى كلمة قائلا :
- سحقا لجميع أنواع الظلم فى العالم.
- اصمت و إلا فتحنا محضرا بذلك.
جمعنا و لملمنا كل ما لدينا أنا و سرمت إلا أن ذلك لم يكف لشراء حذاء مقاسه ثمانية و ثلاثين.
قال لى سرمت : خذ سبعة و ثلاثين.
- ضيق لا يناسب قدمى.
- تنتعله من أجل خاطرى.
- ياهوه ... أى خاطر و ماطر فى الأحذية و
الأقدام ؟
قلت بينى و بين نفسى ماذا أفعل ؟ من أجل خاطر الصداقة أشتريت الحذاء.
أبرزت النوايا الحسنة لانتعال الحذاء ، حقيقة حاول البائعان كثيرا مساعدتى ، مسكين سرمت حبات العرق تنساب من جبينه ، و أخيرا نجحا و ربطا رباط الحذاء ، و قالا : هيا قم.
قالا لى ذلك لأننى كنت ملقى على الأرض ، نهضت بعدما حملانى من تحت أبطى ، 

و حال نهوضى صرخت :
- أغيثونى.
أتمنى ألا يحرم الله قدما من حريتها ، فحرية القدم لا تشبه حرية الصحافة و لا حرية الوجدان.
قال البائع : سيتوسع الحذاء عندما تسير عليه قليلا.
أى مسير فأنا لا أستطيع الحراك ، خرجنا إلى الشارع و أنا أشعر أن شرايين مخى تنتفض لدرجة أن حبات العرق أخذت تنساب فى أسفل ظهرى ، فى هذه اللحظات قال لى سرمت :
- هل حضرت قصصك الساخرة التى سترويها لوالد الفتاة ؟
ركبنا التورماى.
- رجاء يا سرمت ازل هذا البلاء من قدمى.
- لا تخلعه سيتوسع بعد قليل.
على ما يبدو أنه لن يتوسع ، و بسبب الألم قلت له :
- سأخلعها و عندما ننزل من الترماى أنتعلها ثانية.
و أى حال وصلت إليها حتى أشفق علىّ الركاب و المراقب و الجابى ، لذلك هبوا جميعا لمساعدتى فى خلعها ، حاولوا كثيرا إلا أنهم فشلوا ، أحد الركاب قال :
- لنقصها و ننقذه.
قلت له : لا ....!
كيف سيقصه و بألف يا ويلاه جمعنا ثمنه ، لا سيما أن فى أعماقى أملا بتوسع الحذاء 

و انتعاله براحة.
نزلنا من الترماى و أنا أصرخ متألما ، أتأوه و أتاخأخ و لم أدر كيف مشينا.
فى الطريق سألنى سرمت :
- هل حفظت القصص الساخرة التى سترويها ، رجاءا قل له ما شئت و أضحكه ، لأنه عندما يضحك سيلينو سيزوجنى ابنته ، رجاءا ارو له نكات جحا و قصصا أخرى.
عندما وصلنا إلى البيت ، لم أعرف كيف ألقيت بنفسى على الديوان و غطيت وجهى بيدى.
سألنا والد الفتاة :
- ما سبب زيارتكما؟
راح سرمت يستغيث بنظرات حتى كاد أن يبكى ، أما أنا فلم أستطع التفوه بحرف واحد ، كنت أتصبب عرق الموت ، و وجهى محمرا كالشوندر ، و كل قطعة من جسدى تلتهب من الحمى.
لاحظ سرمت أنه لا أمل منى بالمساعدة ، لذلك انفكت عقدة لسانه ، و راح يثرثر و يروى الحكايات ، بينما كنت أتصبب عرقا.
سألتنى والدة الفتاة : لماذا لا تتكلم ؟
أجابها سرمت : إنه خجول جدا يا سيدتى.
يداى بين فخذى و أنا أتقلب من الألم ، أثناء ذلك أحضرت محبوبة سرمت القهوة ، من ينظر فى وجه الفتاة يهرب إلى آخر الدنيا ، جازاك الله يا سرمت أمن أجل هذه الفتاة كل هذا ؟
فى النهاية نجح سرمت فى رواية كل ما حفظ من قصص ساخرة ، كذلك نجح فى إضحاك الرجل و زوجته ، حتى طقت خواصرهما ، وجهى متغضن من الألم و فى عينى أشعر بشرارة تشبه البرق.
أخيرا عرض سرمت رغبته فى الزواج من ابنتها ، أجابه والدها :
- لنفكر بالأمر.
بينما قالت والدتها : خيرا إن شاء الله إنها القسمة و النصيب.
بعد ذلك سألنى : هل أنت أعزب ؟
عندها أجبت مطاطئا رأسى : نعم ، و كانت الكلمة الوحيدة التى تفوهت بها.
بعد خروجنا من عندهم تركنى سرمت غاضبا بعدما أنبنى قائلا : أى صديق أنت ؟ يا خسارة.
هكذا بقيت وحيدا وسط الزقاق ، جلست على الرصيف ، كنت سأمشى حافيا لو أستطعت خلع حذائى ، لكنه التصق بقدمى ، فلم ينخلع و كأنه أصبح جزءا من جسدى.
لا أدرى كيف وصلت إلى مركز الجريدة ، و ألقيت بنفسى على أريكتى متمددا :
- أنقذونى يا أصدقاء.
حاولوا كثيرا دوم جدوى.
- قطعوه قطعوه.
كل واحد منهم حمل سكينا أو مشرطا أو موس حلاقة.
اقترح أحد الأصدقاء:
- هذا اختصاص ، لابد من عمل جراحى.
لقد التصق الحذاء بقدمى لدرجة أنهم قطعوه ، و مع ذلك لم ينخلع ، و اخيرا نجحوا يعد أن قطعوه أربا أربا.
و بذلك استطاعت قدمىّ معانقة حريتهما و أنتم تعرفون معنى ذلك.
ثلاثة أيام لم أستطع المشى بتاتا و كل ما حدث تم بعد ذلك.
سابقا كنت أنتعل ثمانية و ثلاثين ، لكن بعد ذلك حتى الأربعين بات ضيقا على قدمى ، فقد كبرت قدماى بعدما عانقتا حريتهما. ألسنا هكذا نحن بنى البشر ، عندما نتحرر من أى احتجاز و مهما طال امده نتضخم و لا نستطيع الدخول من باب البيت.

بعد أربعة ايام قدم لى والد الفتاة التى طلبها سرمت ، و بعدما تحدثنا بموضوعات شتى ، قال لى :
- قررنا ، أنا و زوجتى ، تزويجك ابنتنا.
ذهلت مما سمعت :

- لم ؟ لم أفهم ...
- لأننا أعجبنا بك كثيرا ، لم نصادف طوال حياتنا شابا خجولا مثلك ، لم نر شابا ذا تربية عالية مثلك ، يوم أتيت إلينا كنت تقطر عرقا من شدة الخجل و وجهك مبقع حمرة  ، لم تتفوه بتاتا و كنت مطاطىء الرأس ، شرف لأى عائلة دخول صهر مؤدب إليها.
- و ماذا عن صديقى ... ماذا سيحل به ؟
- أرجوك اتركه ، فهو ثرثار أحمق ، و قليل الحياء ، تصرف بشكل غير عقلانى ، حسب ظنه أنه كان يروى قصصا و نكات ، لا فتاة عندى كى أزوجه.
راح الرجل يزورنى مرة كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحا حيائى ، تربيتى :
- أنا بحياتى ... مثلك مؤدب ، ذو أخلاق عالية ، وجهك يقر حياء ، لا تدرى أين تضع يديك ..
- يا سيدى انا لا أفكر بالزواج الآن.
- فكر بالأمر .. سآتى ثانية و نتحدث فى الموضوع.

و هكذا أخذ الرجل يزورنى كل يومين أو ثلاثة ليتحدث ممتدحا حيائى و تربيتى :
- لم ار شابا ذا تربية عالية ، و أخلاق .. وجهك مبقع حياء .. لا تعرف أين تضع يديك ..
ذات يوم لم أستطع ضبط أعصابى ، أخرجت من درج طاولتى قطع حذائى ذى السبعة و الثلاثين ملفوفة بجريدة و ألقيت بها أمامه و صرخت به :
- ها هى الأخلاق و التربية و الخجل ، خذه و زوجه ابنتك !
تذكروا عندما تننون الذهاب لطلب يد قتاة أن تنتعلوا حذاءا ضيقا.


المزيد عن الأديب التركى عزيز نيسين فضلا اتبع الرابط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق