Powered By Blogger

الجمعة، 27 مايو 2011

حكاية كل بيت

مات الرجل الكبير ، كما يموت كل ابن آدم مهما طال عمره.
ورث الابناء البيت الكبير بأكمله ، بيت رائع الموقع ، جميل المنظر ، مميز الطراز، درة شارعه و حيه.
لما كان الابناء مكبوتين تحت سحر حكمة و فطنة الرجل الكبير الذى قد مات ، لذا ظهرت بينهم بوادر الاختلاف ثانى أيام الوفاة.
رأى الابن صاحب العمل الحر أن يبيعوا البيت بثمنه الهائل (فهو واسع المساحة ، مميز الطراز كما أسلفنا) و يقسموا ثمنه على العائلة ، و ليصنع كل منهم ما شاء بنصيبه.
اعترض المجموع على هذا القرار و استقروا على أن يقسموا البيت بينهم ، كل حسب نصيبه ، و ليستفد كل منهم بنصيبه.
رأى الشاب المتمدن بينهم أن أهم ما يحبه فى نصيبه أن يستمع لكل السيمفونيات و الأوبرا التى يعشق الاستماع لها بأحسن جودة ممكنة ، و عليه فقد طلب عددا من مهندسى الصوت لكى يركبوا له أنقى أجهزة الصوت المتاحة ، و استلزم ذلك هدما فى عدد من الحوائط و تغييرا لبعض المعالم داخل شقته ، حتى يمكنهم تركيب السماعات الهائلة التى أصر على شرائها برغم تعجب المهندسين أنفسهم ، لأن مثل هذه السماعات لا تستخدم سوى فى صالات الموسيقى.
فى أول يوم لتشغيل هذه السناعات بموسيقاه المفضلة ، طرق الباب أخوه الملتحى طالبا منه أن يخفض الصوت !
رفض بإصرار فهو لم يستثمر هذه الأموال لكى يخفض الصوت !
أصر أخوه الملتحى و أصر هو أيضا ، و انتهى الخلاف بنزاع لفظى حاد ، انتهى دون جدوى أو حل ، و ترك فى القلوب ما ترك من أثر.
و قام الأخ الملتحى باستدعاء نفس المهندسين و تركيب سماعات أكبر داخل نصيبه (بنفس هدم الحوائط و أكثر) ، و أدار تسجيلات مختلفة للقرآن ، لمقرئين مختلفين على مدار الساعة.
ضج باقى الأخوة بالضوضاء طوال النهار ، بل و ضج الجيران من الشارع المحيط ، و قدم الجميع للشكوى من الضوضاء !
رأى الأخ صاحب العمل الحر أن يبنوا دورا أو دورين فوق هذا البناء ، و قام بعمل حساب للأرباح التى سوف يجنيها كل منهم باستخدام الآلة الحاسبة التى لا تفارق يده إلا وقت النوم.
اعترض أكبر الأخوة لأن البيت ذو أساس قديم ، و لا يحتمل أى أحمال أو أدوار زائدة.
و ظل الأخ صاحب العمل الحر ، يلح صباحا مساء على نفس الطلب.
و ظل باقى الأخوة على خوفهم.
اقترح الأخ المتمدن إعادة ترميم البيت و تغيير طرازه المعمارى ، بطراز آخر متمدن ، يلائم العصر الحديث ، و اعترض باقى الأخوة ، فنصف قيمة المبنى أو اكثر تكمن فى حفاظه على طابعه المعمارى المميز ، لم يلق لاعتراضهم بالا ، و طلب مهندسين معماريين من الجيران لتغيير الجزء الخاص به !
شيئا فشيء ، صار البيت العتيق ملهاة أو مأساة ، تصدح منه ليل نهار قراءة للقرآن ممزوجة بسيمفونيات أجنبية ، أغلب المبنى له طراز معمارى جميل مألوف للعين ، و بجزء منه طراز آخر ، واجهات معدنية و زجاجية تحاكى ناطحات السحاب على الطراز الأمريكى.
شهرا آخر أو شهرين ، و بدأت الشكوى من تسريبات فى المياه و الصرف الصحى
( ربما عجل بها كمية الإصلاحات غير الضرورية التى قام بها كل منهم منفردا ؟).
رفض كل منهم المشاركة فى عمل جماعى لإنقاذ بيتهم بأكمله ، تبنى كل منهم مبدا أصلح الجزء الخاص بى و ليذهب الباقى للجحيم.
استدعوا كبير العائلة من مسقط رأس العائلة ليحكم بينهم ، جلس معهم محاولا تقريب وجهات النظر ، لقى آذانا لا تسمع ، قلوب تصر على الخلاف ، عقول ترى الخلاف كرامة !
حزن لما رأى و قص عليهم حديث الرسول صلى الله عليه و سلم :
روى البخارى وأحمد والترمذى عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا فى نصيبنا خرقاَ ولم نؤذِ مَنْ فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاًَ، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً"
و بينما هو يشرح لهم الحديث ، انهار عليهم العقار و دفنهم جميعا ، ذلك أن الأخ صاحب العمل الحر كان قد أتى خلسة ببعض من حفارى الآثار ليبحثوا عن آثار قيل أنها مدفونة تحت بيتهم العتيق.
و انتهى بهم الحال جميعا مدفونين.



هناك تعليق واحد:

  1. أفكر فى عمل هذه القصة القصيرة رواية طويلة ، الموضوع يسمح و التفاصيل كثيرة و دسمة ، برجاء إخبارى عن رأيكم هل تستحق أم لا ؟

    ردحذف